الأحد، 13 نوفمبر 2016

تاريخ الببليوقرافيا

2-1- في الغرب: إن بعض المصادر تشير إلى أن العلم عرف حتى قبل ميلاد عيسى عليه السلام ، ويذكرون الفهرس الذي تحتفظ به مكتبة الإسكندرية ، والذي يعود تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد [54]، وواضعه هو الشاعر اليوناني كاليماخوس ( C allimacs ) حينما كان قيما على خزانة هذه المكتبة ، بل إن الأمر أقدم من ذلك ويعود إلى الآشوريين والبابليين[55]. ويذهب الأستاذ يحي هوارإلى أن التعبير الأول لفكرة الفهرسة التي تحيل إلى "قائمة نتاج أدبي" يرجع فضله لطبيب يوناني خلال القرن الثاني الميلادي، ثم تطورت الفكرة عند القديس( Saint Jéome ) في القرن الخامس الميلادي ، والشيء نفسه نجده عند المؤرخ والراهب ( Bède ) في القرن الثامن الميلادي[56] . ومع ذلك فإن الكلمة لم ترج إلا مع بداية القرن الثامن عشر، رغم أن مدلولها بقي متراوحا بين " نسخ الكتب" و فهارس بعض مكتبات الكنائس و "العلم بالنصوص القديمة" (La science du paléographe ) كما كان الأمر في فرنسا إلى أواسط القرن الثامن عشر. استعملت الكلمة لأول مرة في فرنسا من لدن جابرييل نودي (Gabriel Naudé ) أمين مكتبة الكاردينال مازاغان (Mazarin ) ، ثم ظهرت بعد ذلك الفهرسة الوطنية العامة في كل من ألمانيا وبريطانيا والأراضي المنخفضة ثم بعد ذلك في فرنسا . في سنة 1762 أقر المجمع اللغوي الفرنسي في طبعته الرابعة من قاموسه بالكلمة، على أنها "علم البيبليوغرافي" ،وعرف هذا الأخير على أنه الشخص الذي يقرأ المخطوطات القديمة ويعرف الكتب المخطوطة والمطبوعة ، وأضيف إليه في قاموس (Trevaux ) سنة 1771 القيام بجداول المكتبات المختلفة. وأول من عبر عن فكرة علم البيبليوغرافيا،المؤرخ ( Jean Francoi Née de La Rochelle ) ، وجعله يحيل إلى فن الطباعة من جهة وتارخ الكتب وجداولهما من جهة ثانية ، وبعد الثورة ، أسس بباريس " المكتب المركزي للبيبليوغرافيا " ، ومع بداية القرن التاسع عشر وبالضبط سنة 1812 قسم الأديب جابرييل بينيو ( G abriel Peignot ) البيبليوغرافيا إلى : البيبليوغرافيا العامة والبيبليوغرافيا المتخصصة ، وقد جمع في كتابه "الجدول العالمي للبيبليوغرافيا " ثلاثة آلاف عنوان .

وقد حافظ تعريف البيبليوغرفيا على نعت "علم الكتاب" إلى غاية 1879 حين قام المؤلف الفرنسي ( Charles Mortet ) بإعطاء الكلمة مفهوم "دراسة الجداول التي تقوم بوصف وترتيب الكتب من أجل التعريف والإخبار"[57] ، وفي سنة 1932 أعاد المجمع اللغوي الفرنسي النظر في التعريف الذي كان سائدا في الطبعة الثامنة من قاموسه وجعله " معرفة موضوع الكتب المنشورة وطباعتها وقيمتها" . وقد نظم "مركز التأليف التاريخي " سنة 1934 مباحثات حول الكلمة وحددت على أنها " البحث عن الكتب وتصنيفها حسب مناهج محددة ، من أجل استعمال تجاري أو علمي" [58] ، وقد صادقت منظمة اليونسكو على هذا التعريف سنة 1950 .

أما في إنجلترا فقد كان ظهور المصطلح حوالي عام 1472 كفهرس موحد لمكتبات ستين ومائة دير (160) ، وكان التعريف السائد إلى حدود النصف الثاني من القرن الثامن عشر يحيل على "كتابة الكتب " و"البيبليوغرافي" هو الشخص الذي ينسخ هذه الكتب ، كما هو مذكور في قاموس أكسفورد [59] ، ولم تستخدم بمعنى الوصف المنهجي للكتب وتأريخها وطباعتها إلا في النصف الأول من القرن التاسع عشر . وفي الموسوعة البريطانية ،نجد تطور استعمال المصطلح الذي انتقل من الدلالة على " نسخ الكتب" إلى "الكتابة عن الكتب" حدث في فرنسا في القرن الثامن عشر.

أما أضخم عمل ظهر في الغرب في البيبليوغرافيا فهوفهرس مكتبة الكونجرس الأمريكي ، الذي صدر سنة 1910 .

ولا يعني هذا أن هناك تطورا خطيا لمصطلح البيبليوغرافيا يمكن تتبعه بيسر ، إذ يتخلل هذا التطور كثير من الحلقات المفقودة ، ولعل من أسباب ذلك ، عدم اعتراف وإقرارالكلمة من قبل المجمعات اللغوية والقواميس إلا بعد أن تصبح متداولة ، ففي الوقت الذي كنا نجد فيه ، أن المعنى الذي كان دارجا في فرنسا هو " تصنيف الكتب " إلا أن ما كان معترفا به رسميا في القواميس هو أن "البيبليوغرافي هو المشتغل بالمخطوطات القديمة" ، ولم يعترف بهذا المعنى إلا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر في قاموس ( Treveaux ) الذي أضاف عبارة "القيام بجداول المكتبات " [60] ، في حين كانت الفهرسة الوطنية العامة قد ظهرت في عدة دول أوربية أخرى كألمانيا وبريطانيا .

أما بعد النصف الثاني من القرن العشرين ، فقد عرفت البيبليوغرافيا تطورا مذهلا ، خاصة بعد إدخال الحاسوب وشبكة الأنترنت في الميدان، فأصبحت المكتبات لا تستعمل البطاقات التقليدية إلا في دول العالم الثالث ، كما أن معظم البيبليوغرافيات العالمية والوطنية للعديد من الدول أصبحت تتوفر على مواقع لها ، وتحت تصرف إي باحث في أي مكان من العالم ، وتشعبت البيبليوغرافيا إلى درجة أصبح معه الحديث عن حصرأنواعها من باب المستحيل . ومع هذا يظل الكثير من نبهائنا وممثلي نخبنا، يلهثون خلف أحقية هذا المصطلح أو ذاك، في التعبير عما تم تجاوزه بالسرعة الضوئية . وهذا ليس تبخيسا بمجهوداتهم ، بل رحمة بهم وبمن يتحملون مسؤولية تمثيلهم، وحرصا على هذا الزمن الذي يهدرونه ،وليس ازدراء لتراث فرض نفسه ولا يزال ، بل حبا فيه ورغبة في رؤيته مرفوع الشأن من قبل أهله وذويه،قبل غيرهم.



2-2 – البيبليوغرافيا في التراث العربي الإسلامي:

في التراث العربي الإسلامي ، لا يمكن الحديث عن لفظة "البيبليوغرافيا" ، بل عن مجموعة من المصطلحات التي تم إيراد بعضها سابقا، ولا يعني هذا نفي وجود العلم نفسه ، أو بعض أشكاله أو انواعه ، بل إن الأمر المؤكد هو الاهتمام الخاص والأساليب الدقيقة ، التي استعملت من لدن العلماء المسلمين والأدباء واللغويين والفقهاء والفلاسفة والمغنين وغيرهم، في التحري عن مصادر معلوماتهم وتوثيقها توثيقا لا يترك مجالا للشك في صحتها . وقد ابتدأ الأمر مع جمع القرآن الكريم ، ثم الحديث الشريف ، وبلغ أوجه في عصر التدوين ، وانتشاردكاكين الوراقين والنساخين ، خاصة في عهد الدولة العباسية ، الذي يعتبر أزهى عصور الحضارة العربية الإسلامية ، حيث احتاج الناس إلى ضبط محتويات المكتبات وترتيبها وتصنيف العلوم وتبويبها ، فظهرت أنواع من كتب الفهارس ، تناولت القرآن والحديث والفقه وأصوله ، والغريب في اللغة والبلاغة والنحو والشعر والمذاهب والطوائف والأقطار…

ويصنف الدكتور سعد زغلول عبدالحميد ، أنواع كتب الفهارس في المكتبة العربية الإسلامية إلى ثلاثة :

1- ذلك النوع الذي اعتنى بتصنيف العلوم … واشتغل به الفلاسفة.

2- نوع يمكن أن تمثله كتب طبقات العلماء من الأطباء والفقهاء والأدباء والصوفية وغيرهم.

3-الموسوعات التاريخية الكبرى .[61]

ورغم كثرة التصنيفات في جميع المجالات ، إلا أن أقدم النماذج التي وصلت إلينا معبرة أحسن تعبير عن الفهرسة ، هو كتاب "الفهرست"[62] لأبي الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحاق ابن النديم البغدادي (ت. 385هـ أو 388هـ ) ، الذي تخصص في الفهرسة وتفرغ لها ، وكان في بداية أمره وراقا ينسخ الكتب ويتعهدها بالإصلاح والتجليد أو التسفير وبيعها في سوق الكتبيين ببغداد ، رغم أن هناك سبق في المجال ، حسب بعض المهتمين ، لجابر بن حيان في القرن الثاني الهجري ، في كتابه " الحدود" والكندي في القرن الثالث الهجري ، الذي لا يختلف تصنيفه للعلوم عن التصنيف الأرسطي ، وصنف الفارابي بعدهما علوم عصره في كتابيه: "إحصاء العلوم" و "التنبيه على سبيل السعادة" وغيرهم [63]،وابن النديم نفسه يعترف بأنه مسبوق إلى هذا الفن، إلا أن تصنيفات هؤلاء لا ترقى إلى ما حققه ابن النديم الذي انتهى من كتابه حسب الموسوعة الإسلامية سنة 377هـ / 987 م ، وقد جمع فيه أسماء الكتب المعروفة حتى أواخر القرن الرابع الهجري ، ورتبها حسب مواضيعها ونسبها لمؤلفيها ،وبلغ مجموع ما ذكر ستة آلاف كتاب(6000)[64].

وفي القرن السادس الهجري ، ألف أبو بكر محمد بن خير الدين بن عمر الأموي الإشبيلي (ت.575هـ / 1179م ) كتابه "فهرست الدواوين المصنفة في ضروب العلم وأنواع المعارف" ، وذكر فيه ما يزيد على ألف كتا ب ، وصنف الأكفاني "إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد"، وهو كتاب ببليوغرافي صرف "أبان فيه الأكفاني عن أصول العلوم وفروعهابكيفية لم نعهدها قط في المؤلفات العربية"[65] وفي القرن السادس عشر الميلادي ، ألف أحمد بن مصطفى الشهير ب : طاش كبرى زاده الكتاب المعروف ب"مفتاح السعادة ومصباح السيادة" سنة 1561م رتب فيه أنواع العلوم المعروفة في عصره.

وفي القرن السابع عشر ، ألف مصطفى بن عبدالله ، المعروف بحاجي خليفة (ت.1067هـ /1657م) كتابه " كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون"[66] جمع فيه خمسين وخمسمائة وثمانية عشر ألف كتاب (18550) . يقول صاحبه في مقدمة الكتاب ، مبينا منهج تأليفه:"ورتبته على الحروف المعجمة…فكل ما له اسم ذكرته في محله مع مصنفه وتاريخهومتعلقاته ووصفه تفصيلا وتبويبا، وربما أشرت إلى ما روي عن الفصول من الرد والقبول، وأوردت أيضا اسماء الشروح والحواشي لدفع الشبهة ورفع الغواشي، مع التصريح بأنه شرح كتاب فلاني وأنه سبق أو سيأتي في فصله بناء على أن المتن أصل والفرع أولى أن يذكر عقيب أصله، وما لا اسم له ذكرته باعتبار الإضافةإلى الفن أو إلى مصنفه… وما ليس بعربي قيدته بأنه تركي أو فارسي أو مترجم ، ليزول به الإبهام أو أشرت إلى ما رأيت من الكتب بذكر شيء من أوله…"[67].وهو أهم كتاب بيبليوغرافي "بحكم استخدامه لأهم عناصر الوصف البيبليوغرافي"[68]، بل إن ذكره "لمؤلفات في لغات مختلفة ، يجعله أول بيبليوغرافيا عامة دولية في التراث العربي، تفوق من الناحية الفنية ، كل ما جاء قبله حتى في الغرب"[69]، ككتاب جيسنر(Gessner) السويسري "المكتبة الدولية" (Bibliotheca universalis)، على أساس أن هذا الأخير أول بيبليوغرافيا عامة دولية في القرن السادس عشر الميلادي ، وذلك باعتراف بعض المستشرقين أنفسهم، أمثال الفرنسي جالان ( Galland).

ثم جاء بعده في القرن الثامن عشر عبداللطيف محمد رياض زاده ، فأضاف إلى المؤلف السابق العديد من الكتب وسماه "أسماء الكتب المتمة لكشف الظنون" ، وألف إبراهيم بن علي الرومي القسطنطيني (ت.1189هـ / 1775م) "الذيل على كشف الظنون" .

ومع نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ، ألف إسماعيل باشا بن محمد الباباني البغدادي (ت.1339هـ / 1920م) كتابه"إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون" أضاف إليه فيما بعد "هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين " . [70]

ومن أبرز المؤلفات، في هذا المجال أيضا "معجم المطبوعات العربية والمعربة" ، وهو يشمل الكتب المطبوعة إلى نهاية سنة 1919م ، لصاحبه يوسف إلياس سركيس في مجلدين ، وله أيضا "جامع التصانيف الحديثة" . ومن المؤلفات التي نالت شهرة في هذا النوع من التصانيف أو الفهرسة "كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة" للشيخ آغا بزرك الطهراني (ت.1970م) في واحد وعشرين جزءا(21) ، و"تاريخ التراث العربي" لفؤاد سيزيكين في إثني عشر مجلدا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق